بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قرأت قصة لإبن القيم
تدور أحداثها أن خطيباً مفوهاً في يوم ما وهو على المنبر يوم الجمعة قال في بداية الخطبة مستفتحاً بقوله ((يا أشباه الرجال ولا رجال ..سافرت كثيراً وعدت كثيراً ووجدتكم كما انتم حميراً ))
فإذا المسجد يهتز وتتعالى الأصوات ويغضب الناس غضباً شديدا وما هي إلا لحظات حتى ينال ذلك الخطيب القدير وابلاً من الصفعات واللكمات التي لم تشهد مثلها حلبات المصارعة الحرة........
إن الناظر إلى تلك القصة لوجد ان عبارة واحد أو جملة واحده أودت بصاحبها إلى فوهة الهلاك وان كان هذا الإنسان صاحب علم أو منصب أو جاه ...
ما أعجب الكلمات (( إن من البيان لسحرا ))
لذلك ذكر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كلاماً عجيباً في فلسفة الكلمة ومدلولات العبارة حيث قال
(( رب كلمة يلقيها أحدكم في سخط الله لم يلقي لها بالاً تقذفه في النار سبعين خريفاً ))
اذاً صياغة العبارة مهارة من أهم المهارات التي ترسم شخصية قائلها
فمتى ما صيغت الكلمة صياغةً ايجابية نالت القبول والتقدير عند الآخرين وبالخلاف متى ما كانت الكلمات على ضفاف السلب والهدم كانت مقياساً فعلياً لقيم محدثها
وكم أعجب من كلام سيد قطب رحمه الله حينما قال
(( ستضل كلماتنا ميتة لا حراك فيها حتى ما إذا متنا من اجلها دب فيها الحياة وانتفضت وعاشت بين الأحياء ))
لأن بمثل هؤلاء الفئة التي تقيس كلماتها قبل إقحامها في معترك الحياة يعتز بهم التاريخ ويأبى التاريخ إلا أن يسطر أسماء هؤلاء وبمثل هؤلاء تقام الأمم وتحيا المبادئ وتنتصر العقائد ومن قال بخلاف ذلك فالحكم إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم إلى معاذ ابن جبل
(( ثكلتك أمك يا معاذ أوى يكب الناس على وجوههم في النار إلا حصائد ألسنتهم ))
آه من عمق العبارة وقيمتها عند أصحاب القيم وأصحاب الفكر السديد .
إن الكلمات تضل في حقيقتها كإشارات المرور حمراء لن تستطيع السير إلى قلوب البشر حتى ما إذا صيغت بصياغة طاهر المضمون خالصة القيمة تحول لونها إلى اللون الأخضر وحق لها أن تسير على هدى وبصيرة وتتغلغل إلى أعماق الآخرين وقد تتحول إلى قيمة وعقيدة يناضل من اجلها الإنسان .
اتعجبُ منك يا أبا بكر الصديق كيف بك تأخذ بلسانك وتشده وتقول (( هذا الذي أوردني الموارد ))
وأنت الذي سميت بالصديق !!
نعم هي حقيقة إن الكلمات تدل على حقيقة قائلها وشخصيته التي يسير بها .....
كثير من الأشخاص يقذف بالكلمة أو بالعبارة دون النظر إلى عمق تأثيرها عند الآخرين وما أسخف من قال إن كلماته إنما كانت للمزاح أو التعارف أو ما شابه , فيسب ويشتم وتكلم بالكلام الذي يخرج عن الذمم والأخلاق الاسلاميه ..
اننا بحاجه إلى أن نهذب ذلك العضو الصغير الذي سمي باللسان حتى يعتاد على الأسلوب الحسن
والنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وان تفطمه ينفطمِ
لندرك أبعاد الحقيقة ولنعلم إن الكلمة الايجابية والسلبية من مخرجٍ واحد ويبقى اللبيب الذي يختار ما يزن به نفسه ويترفع عن حضيض الكلمات وان يكون مثله كمثل نبي الله نوح عليه السلام حينما اعترضنه دابة في الطريق فقال لها
((انفر بسلام ))
فقيل له كيف تقول هذا لدابة من الدواب !!
فقال ماذا افعل بلساني عودته على قول الطيب فأبى إلا أن يقول طيبا
وان أردنا سرد الأمثلة فكثيرة هي ولكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق
ولندرك أبعاد العبارة ولا نقذف بها دون وعي منا وحتى لا يقع الفأس في الرأس ويندم الإنسان حينها لا بنفع الندم ونقول له حينها يداك اوكتا وفوك نفخ...